للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو نقص مما أمرت به، فلا تعاقب على هذا النقصان، لكن من أمر بالصلاة والصوم ففعله، كان دينه كاملاً بالنسبة إلى هذه الناقصة الدين.

الوجه الثاني: الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم، فمن آمن بما جاء به الرسول مطلقاً فلم يكذبه قط، لكن أعرض عن معرفة أمره، ونهيه، وخبره، وطلب العلم الواجب عليه؛ فلم يعلم الواجب عليه، ولم يعمله، بل اتبع هواه، وآخر طلب علم ما أمر به فعمل به، وآخر طلب علمه، فعلمه، وآمن به ولم يعمل به وإن اشتركوا في الوجوب، لكن من طلب علم التفصيل وعمل به فإيمانه أكمل به، فهؤلاء ممن عرف ما يجب عليه والتزمه، وأقر به، لكنه لم يعمل بذلك كله، وهذا المقر بما جاء به الرسول، المعترف بذنبه الخائف من عقوبة ربه على ترك العمل، أكمل إيماناً ممن لم يطلب معرفة ما أمر به الرسول ولا عمل بذلك، ولا هو خائف أن يعاقب، بل هو في غفلة عن تفصيل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنه مقر بنبوته باطناً وظاهراً.

فكلما علم القلب ما أخبر به الرسول فصدقه، وما أمر به فالتزمه، كان ذلك زيادة في إيمانه على من لم يحصل له ذلك، وإن كان معه التزام عام وإقرار عام.

وكذلك من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها، كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء، بل آمن بها إيماناً مجملاً، أو عرف بعضها، وكلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله وصفاته وآياته، كان إيمانه به أكمل.

الثالث: أن العلم والتصديق نفسه، يكون بعضه أقوى من بعض، وأثبت وأبعد عن الشك والرِّيب. وهذا أمر يشهده كل أحد من نفسه، كما أن الحس الظاهر بالشيء الواحد، مثل رؤية الناس للهلال، وإن اشتركوا فيها فبعضهم تكون رؤيته أتم من بعض، وكذلك سماع الصوت الواحد، وشم الرائحة الواحدة، وذوق النوع الواحد من الطعام، فكذلك معرفة القلب وتصديقه يتفاضل أعظم من ذلك من وجوه متعددة. والمعاني التي يؤمن بها من معاني أسماء الرب وكلامه، يتفاضل الناس في معرفتها، أعظم من تفاضلهم في معرفة غيرها.

<<  <   >  >>