للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفاتحة، ويظهر له في أثناء الحال من معانيها ما لم يكن خطر له قبل ذلك، حتى كأنها تلك الساعة نزلت، فيؤمن بتلك المعاني ويزداد علمه وعمله، وهذا موجود في كل من قرأ القرآن بتدبر، بخلاف من قرأه مع الغفلة عنه، ثم كلما فعل شيئًا مما أمر به، استحضر أنه أمر به فصدق الأمر، فحصل له في تلك الساعة من التصديق في قلبه ما كان غافلاً عنه، وإن لم يكن مكذباً منكراً.

الوجه الثامن: أن الإنسان قد يكون مكذبًا ومنكراً لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدق بما كان مكذبًا به، ويعرف ما كان منكراً، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد ازداد به إيمانه، ولم يكن قبل ذلك كافراً بل جاهلاً، وهذا وإن أشبه المجمل والمفصل لكون قلبه سليما عن تكذيب وتصديق لشيء من التفاصيل، وعن معرفة وإنكار لشيء من ذلك، فيأتيه التفصيل بعد الإجمال على قلب ساذج، وأما كثير من الناس، بل من أهل العلوم والعبادات، فيقوم بقلوبهم من التفصيل أمور كثيرة تخالف ما جاء به الرسول وهم لا يعرفون أنها تخالف، فإذا عرفوا رجعوا، وكل من ابتدع في الدين قولاً أخطأ فيه، أو عمل عملاً أخطأ فيه، وهو مؤمن بالرسول، أو عرف ما قاله وآمن به، لم يعدل عنه، هو من هذا الباب، وكل مبتدع قصده متابعة الرسول فهو من هذا الباب، فمن علم ما جاء به الرسول، وعمل به، أكمل ممن أخطأ ذلك، ومن علم الصواب بعد الخطأ وعمل به، فهو أكمل ممن لم يكن كذلك.

فصْل

وقد أثبت الله في القرآن إسلامًا بلا إيمان في قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: ١٤] . وقد ثبت في الصحيحين،

<<  <   >  >>