للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إيمان وإن لم يكن لهم أن يدعوا مطلق الإيمان، وهذا أشبه والله أعلم لأن النسوة الممتحنات قال فيهن: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] ، ولا يمكن نفي الرِّيبِ عنهن في المستقبل، ولأن الله إنما كذب المنافقين ولم يكذب غيرهم، وهؤلاء لم يكذبهم ولكن قال: {لَّمْ تُؤْمِنُوا} كما قال: " لا يؤمن أحدُكُمْ حتى يحب لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه "، وقوله: " لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن "، و " لا يؤمن من لا يأمن جاره بَوَائِقَهُ " وهؤلاء ليسوا منافقين.

وسياق الآية يدل على أن الله ذمهم؛ لكونهم مَنُّوا بإسلامهم لجهلهم وجفائهم، وأظهروا ما في أنفسهم مع علم الله به، فإن الله تعالى قال: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الحجرات: ١٦] ، فلو لم يكن في قلوبهم شيء من الدين لم يكونوا يعلمون الله بدينهم، فإن الإسلام الظاهر يعرفه كل أحد، ودخلت الباء في قوله: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} لأنه ضُمِّن معنى: يخبرون ويحدثون، كأنه قال: أتخبرونه وتحدثونه بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض. وسياق الآية يدل على أن الذي أخبروا به الله هو ما ذكره الله عنهم من قولهم: {آمنا} فإنهم أخبروا عما في قلوبهم.

وقد ذكر المفسرون أنه لما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحلفون أنهم مؤمنون صادقون، فنزل قوله تعالى: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات: ١٦] ، وهذا يدل على أنهم كانوا صادقين أولاً في دخولهم في الدين؛ لأنه لم يتجدد لهم بعد نزول الآية جهاد حتى يدخلوا به في الآية، إنما هوكلام قالوه، وهو سبحانه قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤] ، ولفظ: {لما} ينفي به ما يقرب حصوله ويحصل غالباً كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} [آل عمران: ١٤٢] ، وقد قال السُّدِّيّ: نزلت هذه الآية في أعراب مُزَيْنَة وجُهيْنَة وأسْلَمَ، وأشْجَع وغِفَار، وهم الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وكانوا يقولون: آمنا بالله؛ ليأمنوا على أنفسهم، فلما استنفروا إلى الحُدَيْبِيَةِ تخلّفوا، فنزلت فيهم هذه الآية.

<<  <   >  >>