للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن مقاتل: كانت منازلهم بين مكة والمدينة، وكانوا إذا مرت بهم سَرِيَّةٌ من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا؛ ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية استنفرهم، فلم ينفروا معه. وقال مجاهد: نزلت في أعراب بني أسد بن خُزَيْمة، ووصف غيره حالهم فقال: قدموا المدينة في سنة مُجْدِبَةٍ، فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارهم، وكانوا يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، فنزلت فيهم هذه الآية. وقد قال قتادة في قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧] قال: منوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا فقالوا: إنا أسلمنا بغير قتال، لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} .

وقال مُقاتِل بن حَيَّان: هم أعراب بني أسد بن خزيمة، قالوا: يا رسول الله، أتيناك بغير قتال، وتركنا العشائر والأموال، وكل قبيلة من العرب قاتلتك حتى دخلوا كرها في الإسلام، فلنا بذلك عليك حق، فأنزل الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فله بذلك المن عليكم، وفيهم أنزل الله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] ، ويقال: من الكبائر التي ختمت بنار، كل موجبة من ركبها ومات عليها لم يتب منها.

وهذا كله يبين أنهم لم يكونوا كفاراً في الباطن، ولا كانوا قد دخلوا فيما يجب من الإيمان، وسورة الحجرات قد ذكرت هذه الأصناف، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: ٤] ، ولم يصفهم بكفر ولا نفاق، لكن هؤلاء يخشى عليهم الكفر والنفاق؛ ولهذا ارتد بعضهم لأنهم لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، وقال بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية [الحجرات: ٦] وهذه الآية نزلت في الوليد بن عُقْبَة، وكان قد كذب فيما أخبر.

<<  <   >  >>