للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تقدم قول من قال: إنهم أسلموا بغير قتال، فهؤلاء كانوا أحسن إسلاماً من غيرهم، وأن الله إنما ذمهم لكونهم منوا بالإسلام وأنزل فيهم: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وإنهم من جنس أهل الكبائر.

وأيضًا، قوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤] و {لما} إنما ينفي بها ما ينتظر ويكون حصوله مترقباً، كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: ١٤٢] ، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} [البقرة: ٢١٤] ، فقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداء لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان، لكنه يحصل فيما بعد كما في الحديث: " كان الرجل يسلم أول النهار رَغْبَةً في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس "؛ ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء، ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: ١٤] والمنافق لا تنفعه طاعة الله ورسوله حتى يؤمن أولاً.

وهذه الآية مما احتج بها أحمد بن حنبل وغيره، على أنه يستثنى في الإيمان دون الإسلام، وأن أصحاب الكبائر يخرجون من الإيمان إلى الإسلام. قال الميموني: سألت أحمد بن حنبل عن رأيه في: أنا مؤمن إن شاء الله؟ فقال: أقول: مؤمن إن شاء اللّّه، وأقول: مسلم ولا أستثني، قال: قلت لأحمد: تفرق بين الإسلام والإيمان؟ فقال لي: نعم، فقلت له: بأي شيء تحتج؟ قال لي: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] ، وذكر أشياء. وقال الشَّالَنْجِيّ: سألت أحمد عمن قال: أنا مؤمن عند نفسي من طريق الأحكام والمواريث، ولا أعلم ما أنا عند اللّّه؟ قال: ليس بمرجئ.

<<  <   >  >>