للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ". وفي رواية: " فيكشف عن ساقه ". وفي رواية فيقول: " هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها، فيقولون: نعم. فيكشف عن ساقه، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد نفاقاً ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خَرَّ على قفاه. فتبقى ظهورهم مثل صَيَاصِي البقر فيرفعون رؤوسهم فإذا نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ويطفأ نور المنافقين فيقولون: ذرونا نقتبس من نوركم ".

فبين أن المنافقين يحشرون مع المؤمنين في الظاهر، كما كانوا معهم في الدنيا ثم وقت الحقيقة، هؤلاء يسجدون لربهم، وأولئك لا يتمكنون من السجود، فإنهم لم يسجدوا في الدنيا له، بل قصدوا الرياء للناس، والجزاء في الآخرة هو من جنس العمل في الدنيا، فلهذا أعطوا نوراً ثم طفئ؛ لأنهم في الدنيا دخلوا في الإيمان، ثم خرجوا منه؛ ولهذا ضرب الله لهم المثل بذلك، وهذا المثل، هو لمن كان فيهم آمن ثم كفر، وهؤلاء الذين يعطون في الآخرة نوراً ثم يطفأ.

ولهذا قال: {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨] إلى الإسلام في الباطن. وقال قتادة ومقاتل: لا يرجعون عن ضلالهم. وقال السدي: لا يرجعون إلى الإسلام، يعني في الباطن، وإلا فهم يظهرونه، وهذا المثل إنما يكون في الدنيا، وهذا المثل مضروب لبعضهم وهم الذين آمنوا ثم كفروا. وأما الذين لم يزالوا منافقين فضرب لهم المثل الآخر، وهو قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة: ١٩] ، وهذا أصح القولين، فإن المفسرين اختلفوا: هل المثلان مضروبان لهم كلهم، أو هذا المثل لبعضهم؟ على قولين. والثاني هو الصواب؛ لأنه قال: {أَوْ كَصَيِّبٍ} وإنما يثبت بها أحد الأمرين، فدل ذلك على أنهم مثلهم هذا وهذا، فإنهم لا يخرجون عن المثلين بل بعضهم يشبه هذا وبعضهم يشبه هذا، ولو كانوا كلهم يشبهون المثلين لم يذكر [أو] بل يذكر الواو العاطفة.

وقول من قال: [أو] هاهنا للتخيير كقولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين ليس بشيء، لأن التخيير يكون في الأمر والطلب لا يكون في الخبر،

<<  <   >  >>