للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإيمان هو التصديق أنه من القرآن. ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تواتر لفظ الكلمة، فإن الإيمان يحتاج إلى معرفة جميع الأمة فينقلونه، بخلاف كلمة من سورة. فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة، فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنياً على مثل هذه المقدمات؛ ولهذا كثر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم، وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، فهذا كلام عام مطلق.

ثم يقال: هاتان المقدمتان كلاهما ممنوعة، فمن الذي قال: إن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق؟ وهب أن المعنى يصح إذا استعمل في هذا الموضع، فلم قلت: إنه يوجب الترادف؟ ولو قلت: ما أنت بمسلم لنا، ما أنت بمؤمن لنا، صح المعنى، لكن لم قلت: إن هذا هو المراد بلفظ مؤمن؟ وإذا قال الله: {أَقيمُوا الصَّلاةَ} ، ولو قال القائل: أتموا الصلاة، ولازموا الصلاة، التزموا الصلاة، افعلوا الصلاة، كان المعنى صحيحاً، لكن لا يدل هذا على معنى: أقيموا، فكون اللفظ يرادف اللفظ، يراد دلالته على ذلك.

ثم يقال: ليس هو مرادفاً له، وذلك من وجوه:

أحدها: أن يقال للمخبر إذا صدقته: صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به. بل يقال: آمن له، كما قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: ٢٦] وقال: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} [يونس: ٨٣] ، وقال فرعون: {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [طه: ٧١] ، وقالوا لنوح {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: ١١١] ، وقال تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] ، {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: ٤٧] وقال: {وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدخان: ٢١]

فإن قيل: فقد يقال: ما أنت بمصدق لنا. قيل: اللام تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعف عمله، إما بتأخيره أو بكونه اسم فاعل أو مصدراً، أو باجتماعهما، فيقال: فلان يعبد الله ويخافه ويتقيه، ثم إذا ذكر باسم الفاعل

<<  <   >  >>