للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: هو عابد لربه متق لربه، خائف لربه، وكذلك تقول فلان يَرْهَب الله، ثم تقول: هو راهب لربه، وإذا ذكرت الفعل وأخرته، تقويه باللام، كقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: ١٥٤] ، وقد قال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: ٥١] فعداه بنفسه، وهناك ذكر اللام، فإن هنا قوله: {فَإيَّايَ} من قوله: [فلى] . وقوله هنالك: {لِرَبِّهِمْ} أتم من قوله: [ربهم] ، فإن الضمير المنفصل المنصوب، أكمل من ضمير الجر بالياء، وهناك اسم ظاهر، فتقويته باللام أولى وأتم من تجريده، ومن هذا قوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣] ، ويقال: عبرت رؤياه، وكذلك قوله: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: ٥٥] ، وإنما يقال: غظته، لا يقال: غظت له، ومثله كثير، فيقول القائل: ما أنت بمصدق لنا، أدخل فيه اللام، لكونه اسم فاعل، وإلا فإنما يقال: صدقته، لا يقال: صدقت له، ولو ذكروا الفعل، لقالوا: ما صدقتنا، وهذا بخلاف لفظ الإيمان، فإنه تعدى إلى الضمير باللام دائماً، لا يقال: آمنته قط، وإنما يقال: آمنت له، كما يقال: أقررت له. فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقرب من تفسيره بلفظ التصديق، مع أن بينهما فرقاً.

الثاني: أنه ليس مرادفاً للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت. فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة، كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: آمناه. كما يقال: صدقناه؛ ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم، فإن الإيمان مشتق من الأمن. فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر؛ ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ [آمن له] ، إلا في هذا النوع؛ والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء، يقال: صدق أحدهما صاحبه، ولا يقال: آمن له، لأنه لم يكن غائباً عنه ائتمنه عليه؛ ولهذا قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: ٢٦] ، {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: ٤٧] ، {آمَنتُمْ لَهُ} [طه: ٧١] ،

<<  <   >  >>