للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إنه لما فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج أقام النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات بمواقيتها صبيحة ذلك اليوم، وكان جبرائيل يؤم النبي صلى الله عليه وسلم. والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قيل لهم: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} عرفوا أنها تلك الصلاة، وقيل: إنه قبل ذلك كانت له صلاتان طرفي النهار، فكانت أيضاً معروفة، فلم يخاطبوا باسم من هذه الأسماء إلا ومسماه معلوم عندهم. فلا إجمال في ذلك، ولا يتناول كل ما يسمى حجاً ودعاءً وصوماً، فإن هذا إنما يكون إذا كان اللفظ مطلقاً، وذلك لم يرد.

وكذلك الإيمان والإسلام وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور، وإنما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهم يسمعون وقال: " هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم "؛ ليبين لهم كمال هذه الأسماء وحقائقها التي ينبغي أن تقصد لئلا يقتصروا على أدنى مسمياتها، وهذا كما في الحديث الصحيح أنه قال: " ليس المسكين هذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافاً ". فهم كانوا يعرفون المسكين وأنه المحتاج، وكان ذلك مشهوراً عندهم فيمن يظهر حاجته بالسؤال، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يظهر حاجته بالسؤال والناس يعطونه، تزول مسكنته بإعطاء الناس له، والسؤال له بمنزلة الحرفة، وهو وإن كان مسكيناً يستحق من الزكاة إذا لم يعط من غيرها كفايته، فهو إذا وجد من يعطيه كفايته لم يبق مسكيناً، وإنما المسكين المحتاج الذي لا يسأل ولا يعرف فيعطى. فهذا هو الذي يجب أن يقدم في العطاء، فإنه مسكين قطعاً، وذاك مسكنته تندفع بعطاء من يسأله، وكذلك قوله: [الإسلام هو الخمس] ، يريد أن هذا كله واجب داخل في الإسلام، فليس للإنسان أن يكتفي بالإقرار بالشهادتين، وكذلك الإيمان يجب أن يكون على هذا الوجه المفصل، لا يكتفي فيه بالإيمان المجمل؛ ولهذا وصف الإسلام بهذا.

<<  <   >  >>