للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أن: " من سَرَّتْهُ حَسَنَتُه وساءته سَيِّئَتُهُ فهو مؤمن " فهذا يحب الحسنة ويفرح بها، ويبغض السيئة ويسوؤه فعلها وإن فعلها بشهوة غالبة، وهذا الحب والبغض من خصائص الإيمان.

ومعلوم أن الزاني حين يزني إنما يزني لحب نفسه لذلك الفعل، فلو قام بقلبه خشية الله التي تقهر الشهوة أو حب الله الذي يغلبها، لم يَزْنِ؛ ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: ٢٤] فمن كان مخلصًا لله حق الإخلاص لم يزن وإنما يزني لخلوه عن ذلك، وهذا هو الإيمان الذي ينزع منه لم ينزع منه نفس التصديق؛ ولهذا قيل: هو مسلم وليس بمؤمن، فإن المسلم المستحق للثواب لابد أن يكون مصدقاً، وإلا كان منافقاً، لكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة مثل كمال محبة الله ورسوله، ومثل خشية الله والإخلاص له في الأعمال والتوكل عليه، بل يكون الرجل مصدقاً بما جاء به الرسول، وهو مع ذلك يرائى بأعماله، ويكون أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله، وقد خوطب بهذا المؤمنون في آخر الأمر في سورة براءة فقيل لهم: {إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤] ومعلوم أن كثيراً من المسلمين أو أكثرهم بهذه الصفة.

وقد ثبت أنه لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإنما المؤمن من لم يَرْتَبْ، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولابد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشية الله وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس

<<  <   >  >>