للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رواه أحمد وغيره. وهذا كثير في كلام السلف، يبينون أن القلب قد يكون فيهإيمان ونفاق، والكتاب والسنة يدلان على ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شعب الإيمان، وذكر شعب النفاق وقال: " من كانت فيه شعبة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها " وتلك الشعبة قد يكون معها كثير من شعب الإيمان؛ ولهذا قال: " ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وأن من كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.

وعلى هذا فقوله للأعراب {لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤] نفي حقيقة دخول الإيمان في قلوبهم، وذلك لا يمنع أن يكون معهم شعبة منه، كما نفاه عن الزاني والسارق، ومن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يأمن جاره بوائقه وغير ذلك، كما تقدم ذكره، فإن في القرآن والحديث ممن نفى عنه الإيمان لترك بعض الواجبات شيء كثير.

وحينئذ فنقول: من قال من السلف: أسلمنا، أي: استسلمنا خوف السيف، وقول من قال: هو الإسلام، الجميع صحيح، فإن هذا إنما أراد الدخول في الإسلام، والإسلام الظاهر يدخل فيه المنافقون، فيدخل فيه من كان في قلبه إيمان ونفاق، وقد علم أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، بخلاف المنافق المحض الذي قلبه كله أسود، فهذا هو الذي يكون في الدرك الأسفل من النار؛ ولهذا كان الصحابة يخشون النفاق على أنفسهم، ولم يخافوا التكذيب لله ورسوله، فإن المؤمن يعلم من نفسه أنه لا يكذب الله ورسوله يقيناً، وهذا مستند من قال: أنا مؤمن حقاً، فإنه أراد بذلك ما يعلمه من نفسه من التصديق الجازم، ولكن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ بل لابد من أعمال قلبية تستلزم أعمالاً ظاهرة كما تقدم، فحب الله ورسوله من الإيمان، وحب ما أمر الله به، وبغض ما نهى عنه، هذا من أخص الأمور بالإيمان؛ ولهذا ذكر

<<  <   >  >>