للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يثبت للملة التي يخرج بها الإنسان من جميع الملل، فتزول عنه أسماء الملل إلا اسم الإسلام، وتثبت أحكام الإسلام عليه، وتزول عنه أحكام جميع الملل.

فإن قال لهم قائل: لِمَ لَمْ تقولوا: كافر إن شاء الله، تريدون به كمال الكفر، كما قلتم: مؤمنون إن شاء الله تريدون به كمال الإيمان؟ قالوا: لأن الكافر منكر للحق، والمؤمن أصل إيمانه الإقرار، والإنكار لا أول له ولا آخر فتنتظر به الحقائق، والإيمان أصله التصديق، والإقرار ينتظر به حقائق الأداء لما أقر، والتحقيق لما صدق، ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل، فسأل أحدهما حقه، فقال: ليس لك عندي حق، فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال إذا جحد وأنكر، وسأل الآخر حقه فقال: نعم لك علي كذا وكذا، فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه، فهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء ويصدق إقراره بالوفاء، ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى إذ استويا في الترك للأداء، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه، فإن أدى جزءاً منه حقق بعض ما قال ووفى ببعض ما أقر به. وكلما أدى جزءًا ازداد تحقيقاً لما أقر به، وعلى المؤمن الأداء أبداً بما أقر به حتى يموت. فمن ثم قلنا: مؤمن إن شاء الله، ولم نقل: كافر إن شاء اللّّه.

قال محمد بن نصر: وقالت طائفة أخرى من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء، إلا أنهم سموه مسلماً لخروجه من ملل الكفر ولإقراره بالله وبما قال، ولم يسموه مؤمناً، وزعموا أنهم مع تسميتهم إياه بالإسلام كافر، لا كافر بالله، ولكن كافر من طريق العمل، وقالوا: كفر لا ينقل عن الملة، وقالوا: محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " والكفر ضد الإيمان، فلا يزول عنه اسم الإيمان إلا واسم الكفر لازم له؛ لأن الكفر ضد الإيمان، إلا أن الكفر كفران: كفر هو جحد بالله وبما قال فذاك ضده الإقرار بالله والتصديق به وبما قال، وكفر هو عمل فهو ضد الإيمان الذي هو عمل، ألا ترى إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ". قالوا: فإذا لم يؤمن فقد كفر، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل؛ إذ لم يؤمن من جهة

<<  <   >  >>