للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العمل؛ لأنه لا يضيع ما فرض عليه ويرتكب الكبائر إلا من قلة خوفه، وإنما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله ووعيده، فقد ترك من الإيمان التعظيم الذي صدر عنه الخوف والورع، فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن إذا لم يأمن جاره بوائقه.

ثم قد روى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، وأنه قال: " إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر، فلم يكن كذلك باء بالكفر ". فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله أخاه كافراً، وبقوله له: يا كافر، كافراً، وهذه الكلمة دون الزنا، والسرقة، وشرب الخمر. قالوا: فأما قول من احتج علينا فزعم أنا إذا سميناه كافراً لزمنا أن يحكم عليه بحكم الكافرين بالله، فنستتيبه ونبطل الحدود عنه؛ لأنه إذا كفر فقد زالت عنه أحكام المؤمنين وحدودهم، وفي ذلك إسقاط الحدود وأحكام المؤمنين على كل من أتى كبيرة، فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع، وضد الإيمان الكفر في كل معنى، فأصل الإيمان الإقرار والتصديق، وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن، فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان: الكفر بالله وبما قال، وترك التصديق به وله، وضد الإيمان الذي هو عمل، وليس هو إقرار، كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة، ولكن كفر تضييع العمل، كما كان العمل إيماناً، وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله، فلما كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافراً، يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة والحج والصوم، أو ترك الورع عن شرب الخمر والزنا، قد زال عنه بعض الإيمان، ولا يجب أن يستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السنة وأهل البدع ممن قال: إن الإيمان تصديق وعمل، إلا الخوارج وحدها، فكذلك لا يجب بقولنا: كافر من جهة تضييع العمل أن يستتاب، ولا تزول عنه الحدود، كما لم يكن

<<  <   >  >>