للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابة، ولا إزالة الحدود والأحكام عنه؛ إذ لم يزل أصل الإيمان عنه فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل؛ إذ لم يأت بأصل الكفر الذي هو جحد بالله أو بما قال.

قالوا: ولما كان العلم بالله إيماناً، والجهل به كفراً، وكان العمل بالفرائض إيماناً، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم، ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك، فلم يكن جهلهم بذلك كفراً، ثم أنزل الله عليهم الفرائض، فكان إقرارهم بها والقيام بها إيماناً، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله، ما كان بجهلها كافراً، وبعد مجيء الخبر، من لم يسمع بالخبر من المسلمين، لم يكن بجهلها كافراً، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر.

قالوا: فمن ثم قلنا: إن ترك التصديق بالله كفر، وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه قد أوجبها كفر، ليس بكفر بالله، إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل: كفرتني حقي ونعمتي، يريد: ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي، قالوا: ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله، لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما أثبتوا للإيمان من جهة العمل فروعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام، من ذلك قول ابن عباس في قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] قال محمد بن نصر: حدثنا ابن يحيى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام يعني ابن عروة عن حجير، عن طاوس، عن ابن عباس: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ليس بالكفر الذي يذهبون إليه.

<<  <   >  >>