للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك قوله في الحديث الصحيح: " ليس من رجل ادَّعى لغير أبيه، وهو يَعْلَمُه، إلا كَفَر "، وفي حديث آخر: " كَفَر بالله من تَبَرَّأ من نَسَبٍ وإن دَقَّ "، وكان من القرآن الذي نسخ لفظه: " لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم "، فإن حق الوالدين مقرون بحق الله في مثل قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤] ، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] ، فالوالد أصله الذي منه خلق، والولد من كسبه. كما قال: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: ٢] ، فالجحد لهما شعبة من شعب الكفر، فإنه جحد لما منه خلقه ربه، فقد جحد خلق الرب إياه، وقد كان في لغة من قبلنا يسمى الرب أباً، فكان فيه كفر بالله من هذا الوجه، ولكن ليس هذا كمن جحد الخالق بالكلية، وسنتكلم إن شاء الله على سائر الأحاديث.

والمقصود هنا ذكر أصل جامع تنبني عليه معرفة النصوص، ورد ما تنازع فيه الناس إلى الكتاب والسنة، فإن الناس كثر نزاعهم في مواضع في مسمى الإيمان والإسلام لكثرة ذكرهما، وكثرة كلام الناس فيهما، والاسم كلما كثر التكلم فيه، فتكلم به مطلقاً ومقيداً بقيد، ومقيد بقيد آخر في موضع آخر. كان هذا سبباً لاشتباه بعض معناه، ثم كلما كثر سماعه كثر من يشتبه عليه ذلك. ومن أسباب ذلك أن يسمع بعض الناس بعض موارده ولا يسمع بعضه، ويكون ما سمعه مقيداً بقيد أوجبه اختصاصه بمعنى، فيظن معناه في سائر موارده كذلك، فمن اتبع علمه حتى عرف مواقع الاستعمال عامة، وعلم مأخذ الشبه أعطى كل ذي حق حقه، وعلم أن خير الكلام كلام الله، وأنه لا بيان أتم من بيانه، وأن ما أجمع عليه المسلمون من دينهم الذي يحتاجون إليه أضعاف أضعاف ما تنازعوا فيه.

<<  <   >  >>