للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما أضاف إليهما الأربع لكونها أظهر شعائر الإسلام ومعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بحل قيد انقياده وانحلاله.

ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث، وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن، الذي هو أصل الإيمان، مقومات ومتممات وحافظات له؛ ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، وإعطاء الخمس من المغنم؛ ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة، لأن اسم الشيء الكامل يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد؛ ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ".

واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو [أصل الإيمان] وهو التصديق، ويتناول [أصل الطاعات] فإن ذلك كله استسلام. قال: فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان؛ وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً. قال: فهذا تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات النصوص الواردة في الإيمان والإسلام، التي طالما غلط فيها الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم.

فيقال: هذا الذي ذكره رحمه الله فيه من الموافقة لما قد بين من أقوال الأئمة، وما دل عليه الكتاب والسنة ما يظهر به أن الجمهور يقولون: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وقوله: إن الحديث ذكر فيه أصل الإيمان وأصل الإسلام، قد يورد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن الإيمان والإسلام بما هو من جنس الجواب بالحد عن المحدود، فيكون ما ذكره مطابقاً لهما لا لأصلهما فقط، فالإيمان هو الإيمان بما ذكره باطناً وظاهراً، لكن ما ذكره من الإيمان تضمن الإسلام، كما أن الإحسان تضمن الإيمان.

وقول القائل: أصل الاستسلام هو الإسلام الظاهر، فالإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له ظاهراً وباطناً، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلت

<<  <   >  >>