مما يوقعهم الشيطان فيه بالإغواء، وهو التوبة، قال تعالى:{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[الأحزاب: ٧٣]
وقدر الله قد أحاط بهذا كله قبل أن يكون، وإبليس أصر على الذنب، واحتج بالقدر، وسأل الإنظار ليهلك غيره، وآدم تاب وأناب، وقال هو وزوجته:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣] ، فتاب الله عليه فاجتباه وهداه، وأنزله إلى الأرض ليعمل فيها بطاعته، فيرفع الله بذلك درجته، ويكون دخوله الجنة بعد هذا أكمل مما كان، فمن أذنب من أولاد آدم فاقتدى بأبيه آدم في التوبة كان سعيدًا، وإذا تاب وآمن وعمل صالحًا بدل الله سيئاته حسنات، وكان بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، كسائر أولياء الله المتقين، ومن اتبع منهم إبليس فأصر على الذنب، واحتج بالقدر، وأراد أن يغوى غيره كان من الذين قال فيهم:{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٥] .
والمقصود هنا ذكر القدر، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء "، وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصَيْن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكْرِ كل شيء، ثم خلق السموات والأرض "، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه أخبر:" أن الله قد علم أهل الجنة من أهل النار، وما يعمله العباد قبل أن يعملوه ".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود:" إن الله يبعث ملكًا بعد خلق الجسد وقبل نفخ الروح فيه، فيكتب أجله ورزقه وعمله، وشقي أو سعيد ". وهذه الأحاديث تأتي إن شاء الله في مواضعها، فهذا القدر هو الذي أنكره القدرية الذين كانوا في أواخر زمن الصحابة. وقد روي أن أول من ابتدعه بالعراق رجل من أهل البصرة يقال له: سيسويه من أبناء المجوس، وتلقاه عنه مَعْبَد الجُهنِيّ، ويقال: أول ما حدث في الحجاز لما احترقت الكعبة، فقال رجل: احترقت بقدر الله تعالى فقال آخر: لم يقدر الله هذا. ولم يكن على عهد