اعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم، ولو قال: المسيح هو الله وجحد أمر الإسلام، ثم قال: لم يعقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنًا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنًا، حتى يكون مصدقًا بقلبه مقرًا بلسانه، فإذا كان تصديقًا بالقلب وإقرارًا باللسان، كان عندهم مؤمنًا، وعند بعضهم لا يكون مؤمنًا حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنًا، فلما نفوا أن يكون الإيمان بشيء واحد، وقالوا: يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم. لم يكن مؤمنًا إلا بما أجمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء، وذلك أنه إذا جاء بهذه الثلاثة الأشياء، فكلهم يشهد أنه مؤمن، فقلنا بما أجمعوا عليه من التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح.
فأما الطائفة التي ذهبت إلى أن العمل ليس من الإيمان، فيقال لهم: ماذا أراد الله من العباد إذ قال لهم: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، الإقرار بذلك أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل، فقد كفرت عند أهل العلم من قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة؟ وإن قالت: أراد منهم الإقرار قيل: فإذا كان أراد منهم الأمرين جميعًا لم زعمتم أنه يكون مؤمنًا بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعًا؟ أرأيتم لو أن رجلاً قال: أعمل جميع ما أمر به الله ولا أقر به، أيكون مؤمنًا؟ فإن قالوا: لا. قيل لهم: فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به، ولا أعمل به، أيكون مؤمنًا؟ فإن قالوا: نعم. قيل: ما الفرق؟ فقد زعمتم أن الله أراد الأمرين جميعًا، فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمنًا إذا ترك الآخر، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل به ولم يقر مؤمنًا، لا فرق بين ذلك. فإن احتج فقال: لو أن رجلاً أسلم فأقر بجميع ما