وجحدوا من الحقائق الموجودة في مخلوقاته وشرائعه ما صار ذلك سببًا لنفور أكثر العقلاء الذين فهموا قولهم عما يظنونه السنة، إذ كانوا يزعمون أن قول أهل السنة في القدر هو القول الذي ابتدعه جهم، وهذا لبسطه موضع آخر.
وإنما المقصود هنا أن السلف في ردهم على المرجئة والجهمية والقدرية وغيرهم، يردون من أقوالهم ما يبلغهم عنهم وما سمعوه من بعضهم. وقد يكون ذلك قول طائفة منهم، وقد يكون نقلاً مغيرًا. فلهذا ردوا على المرجئة الذين يجعلون الدين والإيمان واحدًا، ويقولون هو القول. وأيضًا، فلم يكن حدث في زمنهم من المرجئة من يقول: الإيمان هو مجرد القول بلا تصديق ولا معرفةفي القلب. فإن هذا إنما أحدثه ابن كُرَّام، وهذا هو الذي انفرد به ابن كرام. وأما سائر ما قاله، فأقوال قيلت قبله، ولهذا لم يذكر الأشعري، ولا غيره ممن يحكى مقالات الناس عنه قولاً انفرد به إلا هذا.
وأما سائر أقواله فيحكونها عن ناس قبله ولا يذكرونه، ولم يكن ابن كرام في زمن أحمد بن حنبل، وغيره من الأئمة؛ فلهذا يحكون إجماع الناس على خلاف هذا القول، كما ذكر ذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهما. وكان قول المرجئة قبله: إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب، وقول جهم: إنه تصديق القلب، فلما قال ابن كرام: إنه مجرد قول اللسان صارت أقوال المرجئة ثلاثة، لكن أحمد كان أعلم بمقالات الناس من غيره، فكان يعرف قول الجهمية في الإيمان، وأما أبو ثور، فلم يكن يعرفه، ولا يعرف إلا مرجئة الفقهاء، فلهذا حكى الإجماع على خلاف قول الجهمية والكرامية.
قال أبو ثور في رده على المرجئة كما روى ذلك أبو القاسم الطبري اللالكائي وغيره عن إدريس بن عبد الكريم قال: سأل رجل من أهل خُرَاسَان أبا ثور عن الإيمان وما هو، أيزيد وينقص؟ وقول هو أو قول وعمل؟ أو تصديق وعمل؟ فأجابه أبو ثور بهذا فقال: سألت رحمك الله وعفا عنا وعنك عن الإيمان ما هو، يزيد وينقص؟ وقول هو أو قول وعمل أو تصديق وعمل؟ فأخبرك بقول الطوائف واختلافهم.