ليست مما لا يفهم المراد به، بل نفس ما دلت عليه لا يكفي وحده في العمل فإن المأمور به صدقة تكون مطهرة مزكية لهم، وهذا إنما يعرف ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال أحمد يحذر المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس. وقال: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، يريد بذلك ألا يحكم بما يدل عليه العام والمطلق قبل النظر فيما يخصه ويقيده، ولا يعمل بالقياس قبل النظر في دلالة النصوص هل تدفعه، فإن أكثر خطأ الناس تمسكهم بما يظنونه من دلالة اللفظ والقياس، فالأمور الظنية لا يعمل بها حتى يبحث عن المعارض بحثًا يطمئن القلب إليه، وإلا أخطأ من لم يفعل ذلك. وهذا هو الواقع في المتمسكين بالظواهر والأقيسة؛ ولهذا جعل الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طريق أهل البدع، وله في ذلك مصنف كبير.
وكذلك التمسك بالأقيسة مع الإعراض عن النصوص والآثار طريق أهل البدع؛ ولهذا كان كل قول ابتدعه هؤلاء قولاً فاسدًا، وإنما الصواب من أقوالهم ما وافقوا فيه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}[النساء: ١١] سماه عامًا وهو مطلق في الأحوال، يعمها على طريق البدل، كما يعم قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المجادلة: ٣] جميع الرقاب، لا يعمها كما يعم لفظ الولد للأولاد، ومن أخذ بهذا لم يأخذ بما دل عليه ظاهر لفظ القرآن، بل أخذ بما ظهر له مما سكت عنه القرآن، فكان الظهور لسكوت القرآن عنه، لا لدلالة القرآن على أنه ظاهر، فكانوا متمسكين بظاهر من القول لا بظاهر القول، وعمدتهم عدم العلم بالنصوص التي فيها علم بما قيد، وإلا فكل ما بينه القرآن وأظهره فهو حق، بخلاف ما يظهر للإنسان لمعنى آخر غير نفس القرآن يسمى ظاهر القرآن. كاستدلالات أهل البدع من المرجئة والجهمية والخوارج والشيعة.
قال أحمد: وأما من زعم أن الإيمان الإقرار، فما يقول في المعرفة؟ هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقًا بما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار فلقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم أنه يحتاج أن