يكون مصدقا بما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم أنه يحتاج أن يكون مقرًا ومصدقًا بما عرف فهو من ثلاثة أشياء، فإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق، فقد أتى عظيمًا ولا أحسب امرءًا يدفع المعرفة والتصديق.
والذين قالوا: الإيمان هو الإقرار. فالإقرار باللسان يتضمن التصديق باللسان. والمرجئة لم تختلف أن الإقرار باللسان فيه التصديق، فعلم أنه أراد تصديق القلب ومعرفته مع الإقرار باللسان، إلا أن يقال: أراد تصديق القلب واللسان جميعًا مع المعرفة والإقرار، ومراده بالإقرار الالتزام لا التصديق، كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران: ٨١] ، فالميثاق المأخوذ على أنهم يؤمنون به وينصرونه، وقد أمروا بهذا، وليس هذا الإقرار تصديقًا، فإن الله تعالى لم يخبرهم بخبر، بل أوجب عليهم إذا جاءهم ذلك الرسول أن يؤمنوا به وينصروه. فصدقوا بهذا الإقرار والتزموه، فهذا هو إقرارهم. والإنسان قد يقر للرسول، بمعنى: أنه يلتزم ما يأمر به مع غير معرفة، ومن غير تصديق له بأنه رسول الله، لكن لم يقل أحد من المرجئة: إن هذا الإقرار يكون إيمانًا، بل لابد عندهم من الإقرار الخبري وهو أنه يقر له بأنه رسول الله كما يقر المقر بما يقر به من الحقوق، ولفظ الإقرار يتناول الالتزام والتصديق، ولابد منهما، وقد يراد بالإقرار مجرد التصديق بدون التزام الطاعة، والمرجئة تارة يجعلون هذا هو الإيمان وتارة يجعلون الإيمان التصديق والالتزام معًا، هذا هو الإقرار الذي يقوله فقهاء المرجئة: إنه إيمان، وإلا لو قال: أنا أطيعه ولا أصدق أنه رسول الله، أو أصدقه ولا ألتزم طاعته، لم يكن مسلمًا ولا مؤمنًا عندهم.
وأحمد قال: لابد مع هذا الإقرار أن يكون مصدقًا، وأن يكون عارفًا، وأن يكون مصدقًا بما عرف. وفي رواية أخرى: مصدقًا بما أقر، وهذا يقتضي أنه