لابد من تصديق باطن، ويحتمل أن يكون لفظ التصديق عنده يتضمن القول والعمل جميعًا، كما قد ذكرنا شواهده أنه يقال: صدق بالقول والعمل. فيكون تصديق القلب عنده يتضمن أنه مع معرفة قلبه أنه رسول الله قد خضع له وانقاد، فصدقه بقول قلبه وعمل قلبه محبة وتعظيمًا، وإلا فمجرد معرفة قلبه أنه رسول الله مع الإعراض عن الانقياد له ولما جاء به إما حسدًا وإما كبرًا، وإما لمحبة دينه الذي يخالفه وإما لغير ذلك، فلا يكون إيمانًا، ولابد في الإيمان من علم القلب وعمله، فأراد أحمد بالتصديق أنه مع المعرفة به صار القلب مصدقًا له، تابعًا له، محبا له، معظمًا له، فإن هذا لابد منه، ومن دفع هذا عن أن يكون من الإيمان، فهو من جنس من دفع المعرفة من أن تكون من الإيمان، وهذا أشبه بأنيحمل عليه كلام أحمد؛ لأن وجوب انقياد القلب مع معرفته ظاهر ثابت بدلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل ذلك معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، ومن نازع من الجهمية في أن انقياد القلب من الإيمان فهو كمن نازع من الكرامية في أن معرفة القلب من الإيمان فكان حمل كلام أحمد على هذا هو المناسب لكلامه في هذا المقام.
وأيضًا، فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد الذي يجعل قول القلب أمر دقيق، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر الناس لايتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب، والأشعري من الفرق، كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق، وعمدتهم من الحجة إنما هو خبر الكاذب، قالوا: ففي قلبه خبر بخلاف علمه، فدل على الفرق. فقال لهم الناس: ذاك بتقدير خبر وعلم ليس هو علمًا حقيقيًا ولا خبرًا حقيقيًا، ولما أثبتوه من قول القلب المخالف للعلم والإرادة، إنما يعود إلى تقدير علوم وإرادات لا إلى جنس آخر يخالفها.
ولهذا قالوا: إن الإنسان لا يمكنه أن يقوم بقلبه خبر بخلاف علمه، وإنما يمكنه أن يقول ذلك بلسانه، وأما أنه يقوم بقلبه خبر بخلاف ما يعلمه، فهذا