وصدق لا كذب، ولكن ينقص من الإيمان الذي هو تعظيم لله وخضوع للهيبة والجلال والطاعة للمصدق به، وهو الله، فمن ذلك يكون النقصان لا من إقرارهم بأن الله حق، وما قال صدق.
فيقال: ما ذكره يدل على أن من أتى بالإيمان الواجب فقد أتى بالإسلام، وهذا حق، ولكن ليس فيه ما يدل عن أن من أتى بالإسلام الواجب فقد أتى بالإيمان، فقوله: من آمن بالله فقد خضع له وقد استسلم له حق، لكن أي شيء في هذا يدل على أن من أسلم لله وخضع له، فقد آمن به وبملائكته وبكتبه ورسله والبعث بعد الموت؟ وقوله: إن الله ورسوله قد بين أن الإسلام والإيمان لا يفترقان، إن أراد أن الله أوجبهما جميعًا ونهى عن التفريق بينهما، فهذا حق، وإن أراد أن الله جعل مسمي هذا مسمى هذا، فنصوص الكتاب والسنة تخالف ذلك، وما ذكر قط نصًا واحدًا يدل على اتفاق المسلمين.
وكذلك قوله: من فعل ما أمر به وانتهى عما نهى عنه فقد استكمل الإيمان والإسلام، فهذا صحيح إذا فعل ما أمر به باطنًا وظاهرًا، ويكون قد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه، ولا يلزم أن يكون إيمانه وإسلامه مساويًا للإيمان والإسلام الذي فعله أولو العزم من الرسل؛ كالخليل إبراهيم، ومحمد خاتم النبيين عليهما الصلاة والسلام، بل كان معه من الإيمان والإسلام ما لا يقدر عليه غيره ممن ليس كذلك ولم يؤمر به.
وقوله: من ترك من ذلك شيئًا فلن يزول عنه اسم الإسلام والإيمان إلا أنه أنقص من غيره في ذلك. فيقال: إن أريد بذلك أنه بقي معه شيء من الإسلام والإيمان، فهذا حق كما دلت عليه النصوص، خلافًا للخوارج والمعتزلة، وإن أراد أنه يطلق عليه بلا تقييد مؤمن ومسلم في سياق الثناء والوعد بالجنة، فهذا خلاف الكتاب والسنة، ولو كان كذلك لدخلوا في قوله:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[التوبة: ٧٢] وأمثال ذلك مما وعدوا فيه بالجنة بلا عذاب.