أيضًا، فصاحب الشرع قد نفى عنهم الاسم في غير موضع، بل قال:" قتال المؤمن كفر "، وقال:" لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض ". وإذا احتج بقوله:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات: ٩] ونحو ذلك قيل: كل هؤلاء إنما سموا به مع التقييد بأنهم فعلوا هذه الأمور؛ ليذكر ما يؤمرون به هم وما يؤمر به غيرهم.
وكذلك قوله: لا يكون النقصان من إقرارهم بأن الله حق وما قاله صدق، فيقال: بل النقصان يكون في الإيمان الذي في القلوب من معرفتهم ومن علمهم فلا تكون معرفتهم وتصديقهم بالله وأسمائه وصفاته، وما قاله من أمر ونهي، ووعد ووعيد، كمعرفة غيرهم وتصديقه، لا من جهة الإجمال والتفصيل، ولا من جهة القوة والضعف، ولا من جهة الذكر والغفلة، وهذه الأمور كلها داخلة في الإيمان بالله وبما أرسل به رسوله، وكيف يكون الإيمان بالله وأسمائه وصفاته متماثلاً في القلوب؟ ! أم كيف يكون الإيمان بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه غفور رحيم، عزيز حكيم، شديد العقاب، ليس هو من الإيمان به؟ ! فلا يمكن مسلمًا أن يقول: إن الإيمان بذلك ليس من الإيمان به ولا يدعي تماثل الناس فيه.
وأما ما ذكره من أن الإسلام ينقص كما ينقص الإيمان، فهذا أيضًا حق كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فإن من نقص من الصلاة والزكاة أو الصوم أو الحج شيئًا، فقد نقص من إسلامه بحسب ذلك. ومن قال: إن الإسلام هو الكلمة فقط، وأراد بذلك أنه لا يزيد ولا ينقص، فقوله خطأ. ورد الذين جعلوا الإسلام والإيمان سواء إنما يتوجه إلى هؤلاء، فإن قولهم في الإسلام يشبه قول المرجئة في الإيمان.
ولهذا صار الناس في الإيمان والإسلام على ثلاثة أقوال: فالمرجئة يقولون: الإسلام أفضل؛ فإنه يدخل فيه الإيمان. وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام