للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله مشركًا مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتًا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما الطاعة في المعروف "، وقال: " على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية "، وقال: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "، وقال: " من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه ".

ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام، إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه. ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول، ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال، وإن كان عاجزًا عن إظهار الحق الذي يعلمه، فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق، لا يؤاخذ بما عجز عنه، وهؤلاء كالنجاشي وغيره. وقد أنزل الله في هؤلاء آيات من كتابه، كقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٩٩] ، وقوله: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: ١٥٩] ، وقوله: {مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٨٣] .

<<  <   >  >>