وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزًا عن معرفة الحق على التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ، كما في القبلة. وأما إن قلد شخصًا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه، من غير علم أن معه الحق فهذا من أهل الجاهلية، وإن كان متبوعه مصيبًا، لم يكن عمله صالحًا. وإن كان متبوعه مخطئًا، كان آثما، كمن قال في القرآن برأيه، فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار. وهؤلاء من جنس مانع الزكاة الذي تقدم فيه الوعيد، ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، فإن ذلك لما أحب المال حبًا منعه عن عبادة الله وطاعته، صار عبدًا له. وكذلك هؤلاء، فيكون فيه شرك أصغر، ولهم من الوعيد بحسب ذلك. وفي الحديث:" إن يسير الرياء شرك ". وهذا مبسوط عند النصوص التي فيها إطلاق الكفر والشرك على كثير من الذنوب.
والمقصود هنا أن الظلم المطلق يتناول الكفر، ولا يختص بالكفر، بل يتناول ما دونه أيضًا، وكل بحسبه، كلفظ [الذنب] و [الخطيئة] و [المعصية] ، فإن هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان، كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال:" أن تجعل لله ندا وهو خلقك ". قلت: ثم أي؟ قال:" ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ". قلت: ثم أي؟ قال:" ثم أن تزاني بحليلة جارك "، فأنزل الله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان: ٦٨: ٧١] .
فهذا الوعيد بتمامه على الثلاثة، ولكل عمل قسط منه؛ فلو أشرك ولم يقتل ولم يزن، كان عذابه دون ذلك. ولو زنى وقتل ولم يشرك، كان له من هذا