الذي لا يتصف بوحدة ولا كثرة ولا وجود ولا عدم ولا غير ذلك بل هو الحقيقة من حيث هى هى كما يذكره الرازى تلقيا له عن ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة وقد بسطنا الكلام في هذا الاطلاق والتقيد والكليات والجزئيات في مواضع غير هذا وبينا من غلط هؤلاء في ذلك ما ليس هذا موضعه.
وإنما المقصود هنا الاطلاق اللفظى وهو أن يتكلم باللفظ مطلقا عن كل قيد وهذا لا وجود له وحينئذ فلا يتكلم أحد الا بكلام مؤلف مقيد مرتبط بعضه ببعض فتكون تلك قيود ممتنعة الاطلاق فتبين أنه ليس لمن فرق بين الحقيقة والمجاز فرق معقول يمكن به التمييز بين نوعين فعلم أن هذا التقسيم باطل وحينئذ فكل لفظ موجود في كتاب الله ورسوله فانه مقيد بما يبين معناه فليس في شىء من ذلك مجاز بل كله حقيقة ولهذا لما ادعى كثير من المتأخرين أن في القرآن مجازا وذكروا ما يشهد لهم رد عليهم المنازعون جميع ما ذكروه.
فمن اشهر ما ذكروه قوله تعالى:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}[الكهف: ٧٧] . قالوا: والجدار ليس بحيوان، والارادة انما تكون للحيوان فاستعمالها في ميل الجدار مجاز فقيل لهم لفظ الارادة قد استعمل في الميل الذي يكون معه شعور وهو ميل الحى وفي الميل الذي لا شعور فيه وهو ميل الجماد وهو من مشهور اللغة يقال هذا السقف يريد أن يقع وهذه الأرض تريد أن تحرث وهذا الزرع يريد أن يسقى وهذا الثمر يريد أن يقطف وهذا الثوب يريد أن يغسل وأمثال ذلك.
واللفظ إذا استعمل في معنيين فصاعدا فاما أن يجعل حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر أو حقيقة فيما يختص به كل منهما فيكون مشتركا اشتراكا لفظيا أو حقيقة في القدر المشترك بينهما وهى الأسماء المتواطئة وهى الأسماء العامة كلها وعلى الأول يلزم المجاز وعلى الثاني يلزم الاشتراك وكلاهما خلاف الأصل فوجب أن يجعل من المتواطئة وبهذا يعرف عموم الأسماء العامة كلها والا فلو قال قائل هو في ميل الجماد حقيقة وفي ميل