نعيمهم كامل تام لا يقتصر فيه على الذوق، بل استعمل لفظ الذوق في النفي كما قال عن أهل النار:{لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ: ٢٤] ؛ أى لا يحصل لهم من ذلك ولا ذوق. وقال عن أهل الجنة:{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى}[الدخان: ٥٦] .
وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز وليس كذلك بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجنى عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا كما قال تعالى كذلك كدنا ليوسف فكاد له كما كادت اخوته لما قال له أبوه لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا وقال تعالى:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق: ١٥، ١٦] ، وقال تعالى:{وَمَكَرُوا مَكْرًاوَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ}[النمل: ٥٠، ٥١] ، وقال تعالى:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ}[التوبة: ٧٩] ، ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلا يستحق هذا الاسم كما روى عن ابن عباس أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار فيسرعون اليه فيغلق ثم يفتح لهم باب آخر فيسرعون اليه فيغلق فيضحك منهم المؤمنون؛ قال تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المطففين: ٣٤: ٣٦] .
وعن الحسن البصرى إذا كان يوم القيامة خمدت النار لهم كما تخمد الاهالة من القدر فيمشون فيخسف بهم وعن مقاتل إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فيبقون في الظلمة فيقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وقال بعضهم استهزاؤه استدراجه لهم وقيل ايقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم وقيل: