عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: "كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم لبعض: قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله". قال أهل العلم: فمراد الصحابة الاستغاثة به صل الله عليه وسلم فيما يقدر عليه بكف المنافق عن أذاهم بنحو ضربه أو زجره لا للاستغاثة به صلى الله عليه وسلم فيما لا يقدر عليه. والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم إرشادهم إلى التأديب مع الله في الألفاظ لأن استغاثتهم به صلى الله عليه وسلم من المنافق من الأمور التي يقدر عليها يزجره أو ينهره ونحو ذلك، فظهر أن المراد بذلك الإرشاد إلى حسن اللفظ، والحماية منه لجناب التوحيد، وتعظيم الله تبارك وتعالى. فإذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم في الاستغاثة به فيما يقدر عليه فكيف بالاستغاثة به أو بغيره من الأمور المهمة التي لا يقدر عليها إلا الله؟ كما هو جار على ألسنة كثير من الشعراء وغيرهم؟ ومن هنا يتضح لنا جليا أن الاستغاثة بغير الله شرك بالله، بل هو أكبر أنواع الشرك لأن الدعاء مخ العبادة ولأن من خصائص الألوهية إفراد الله بسؤال ذلك. اهـ من شرح كتاب التوحيد تيسير العزيز الحميد ص ٢٠٦. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن أكثر الناس الذين ابتلاهم الله بدعوة غيره من الموتى وغيرهم لا ترتاح ضمائرهم ولا تطمئن قلوبهم بالتوجه إلى الله في طلب قضاء حوائجهم وكشف مصائبهم ولا تنطق ألسنتهم بنداء اسم من أسماء الله وخاصة القبوريين المعاصرين بخلاف المشركين الأقدمين، فإنهم يلجأون في حال الكرب إلى إخلاص الدعاء لله وحده لا شريك له، وقد حكى الله عنهم ذلك في غير ما آية قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً} (الإسراء:٦٧) ، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:٦٥) ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على هذا المعنى. وهذا من أعظم المعجزات التي أودعها الباري سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث تحدث فيه عما أحدثه مشركوا العصور المتأخرة من إخلاص التوجه بدعائهم إلى غير الله في وقت البلاء والشدة رغم أن المشركين الذين عاشروا نزوله يخلصون الدعاء لله في طلب كشف ما ألم بهم من الكرب وإذا أنقذهم من تلك الكروب رجعوا إلى ما كانوا عليه من دعاء غيره معه، ومع ذلك فقد أوضح ما وقع فيه أهل العصر بعد قرون مديدة حيث أنهم إذا داهمهم =