للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحده لا يشركون به شيئاً فقوى أساسها وعلا بنيانها وعز بفضل الله تعالى، جانبها فعاش الناس فيها بخير، قضى العمل بالقرآن الكريم على الرذيلة، ونمت به كل فضيلة فتراحم المسلمون فيما بينهم، وكانوا يداً واحدة على عدو الله تعالى وعدوهم واستراح القضاء فلم تكد توجد قضية يترافع الناس فيها إليه إلا على وجه الندور لمعرفة كل فرد بما له وما عليه، ولعمل كل ما أوحى الله تعالى في القرآن الكريم إليه.

نعم كان إشعاع نور القرآن الكريم الأول قد انبثق، من جنبات مكة المكرمة وانتشر نوره متسارعاً إلى المدينة فاستنارت به ربوعها وسعدت بخيره أفرادها وجموعها. وواصل سيره الميمون حثيثاً، فجبلت قلوب عباد الله تعالى عليه ومن لم يصله، بعد سماعه به جاء هو راغباً إليه، فانشرحت به وله صدور العباد، فعم خيره ما إليه وصل نوره من البلاد، فلم ينتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى أصبحت للدين في الجزيرة العربية، الكلمة بدون منازع يذكر، ولا مناوئ في مدر ولا وبر.

حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم "عن أن يجتمع في الجزيرة العربية دينان" الحديث (١)

فلو لم تكن للإسلام الجولة، ولو لم يكن قد دالت له الدولة لما تأتَّى أن يقبل مزاحمة دين آخر، في جزيرة غاب عنها نور الوحي، أزماناً متطاولة كما قال الله تعالى ربى في الدلالة على صدق رسالة سيد الخلق ورسول الحق محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. وَمَا كُنْتَ


(١) ورد بذلك المعنى حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري رحمني الله تعالى وإياه، في إخراج اليهود والمشركين من جزيرة العرب ٤/٦٥-٦٦.
*المدر والوبر، كناية عن الحاضرة والبادية.

<<  <   >  >>