وقد تضافرت الأخبار على أن المشركين في الجاهلية كانوا يأتون إلى الصنم، وينادونه فيسمعون صوتاً، فيظنون أن الذي يكلمهم ويجيبهم إنما هو معبودهم الذي قصدوه من دون الله، وليس هو في الحقيقة والواقع غير شيطان لعين يريد إضلالهم، وإغراقهم في العقائد الباطلة.
والمقصود من ذلك كله أن تعرف أن التجارب والأخبار ليست الوسيلة الصحيحة لمعرفة مشروعية الأعمال الدينية، بل الوسيلة الوحيدة المقبولة لذلك هي الاحتكام للشرع المتمثل في الكتاب والسنة وليس غير.
وأهم ما يخلط فيه كثير من الناس في هذا الباب الاتصال بعالم الغيب بطريقة من الطرق، كإتيان الكهان والعرافين، والمنجمين والسحرة والمشعوذين، فتراهم يعتقدون في هؤلاء معرفة الغيب، لأنهم يحدثونهم عن بعض الأمور المغيبة عنهم، ويكون الأمر وفق ما يحدثون أحياناً، ويظنون ذلك جائزاً مباحاً، بدليل وقوعه كما يخبرون. وهذا خطأ جسيم، وضلال مبين، فإن مجرد حصول منفعة ما بواسطة ما لا يكفي لإثبات مشروعية هذه الواسطة، فبيع الخمر مثلاً قد يؤدي إلى منفعة صاحبه وغناه وثروته، وكذلك الميسر واليانصيب أحياناً، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى فيهما:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ١ ومع ذلك فهما محرمان، وملعون في الخمر