اعلم -رحمك الله- أن الله تعالى منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأعزَّهُ بالهجرة والنصر صار الناس ثلاثة أقسام: قسم مؤمنون، وهم الذين آمنوا به ظاهرا وباطنا، وقسم كفار: وهم الذين أظهروا الكفر به، وقسم منافقون: وهم الذين آمنوا به ظاهرا لا باطنا. ولهذا افتتح الله سورة البقرة بأربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وثلاث عشرة في صفة المنافقين.
وكل واحد من: الإيمان، والكفر، والنفاق، له دعائم وشُعَب كما دل عليه الكتاب والسنة، وكما فسره علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث المأثور عنه. فمن النفاق ما هو: نفاق أكبر، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره، مثل أن يُظْهِر تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المَسَرَّة بانخفاض دينه، أو المَسَاءة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله، وهذا القدر موجود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما زال بعده أكثر من عهده؛ لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى، فإذا كانت مع قوتها، والنفاق موجود فوجوده فيما دون ذلك أولى به، وهذا ضرب النفاق الأكبر، والعياذ بالله.