وكذلك ذكروا القولين في قوله:{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ}[الزخرف: ٨٦] ، وسنتكلم على هذه الآية إن شاء الله تعالى، ونبين أن الاستثناء فيها يعم الطائفتين، وأنه منقطع.
ومعنى هاتين الآيتين مثل معنى تلك الآية، وهو يعم النوعين. وذلك أنه سبحانه قال:{يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[طه: ١٠٩] ،والشفاعة: مصدر شفع شفاعة. والمصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى محل الفعل تارة، ويماثله الذي يسمى لفظه " المفعول به " تارة، كما يقال: أعجبني دق الثوب ودق القَصَّار وذلك مثل لفظ " العلم "، يضاف تارة إلى العلم، وتارة إلى المعلوم، فالأول كقوله:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}[البقرة: ٢٥٥] ، وقوله:{أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء: ١٦٦] ، وقوله:{أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ}[هود: ١٤] ،ونحو ذلك.
والثاني كقوله:{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان: ٣٤] ، فالساعة هنا: معلومة، لا عالمة، وقوله حين قال فرعون:{فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} . قال موسى:{عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}[طه: ٥١، ٥٢] ، ومثل هذا كثير.
فالشفاعة مصدر، لابد لها من شافع ومشفوع له.
والشفاعة: تعم شفاعة كل شافع، وكل شفاعة لمشفوع له.
فإذا قال:{يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ} نفى النوعين؛ شفاعة الشفعاء والشفاعة للمذنبين. فقوله:{إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} يتناول النوعين؛ من أذن له الرحمن