وأبو إسحاق الشيرازي، وابن كثير، وكذلك السبكي فإنه أثبت المناظرة، أما ما أشار إليه من الأمور المستشنعة في الرسالة- فإنه لم يوضح ذلك ولو بمثال واحد كما سبق ذلك. كل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن كتاب "الحيدة" هو من تأليف عبد العزيز الكناني وقد نصر فيه السنة، وقمع البدعة، وقد استفاد من هذا الكتاب أناس كثيرون. غير المأمون الذي لم يستفد من تلك المناظرة ومعلوم أن المأمون لا يريد إلا الحق، ولكنه لم يهتد إليه- ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ١٢/ ٤٨٨.
"فإن الإمام أحمد قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل من الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ... إلى أن قال: ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق"، كما ذكر في ص ٥٠١: إن من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. اهـ
ومن هنا نقول: إن هذه المناظرة وإن قامت فيها الحجة للكناني على بشر المريسي أمام المأمون إلا أن الشبهة على المأمون أن كانت قوية، فلم تزل عنه بتلك المناظرة.
ثالثا: مسألة خلق القرآن
إن القول بخلق القرآن فكرة يهودية أراد بها أصحابها الطعن في ذات الله وأسمائه وصفاته لأن أول قائل بها يهودي زنديق.
وذلك لأن القرآن الكريم كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، والله بأسمائه وصافاته واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ونم يكن له كفوا أحد، وقد نزلت سورة