للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعده، وأكفر نعمه، فيسخط علي ويخذلني ويكلني إلى نفسي، والله والله لا فعلت ولو تلفت نفسي".

قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنة إني لم أتهيب المناظرة ولم أعجز عنها، وإنما أحببت أن أقدم في هذا المجلس شيئا من كلامي ليقف من بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاه ومن في مجلسه على معنى كلامي ودقته فلا يخفى عليهم بعض ما يجري بيننا".

قال: فقال أمير المؤمنين المأمون لبشر: "ناظر صاحبك على ما تريد".

قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك إن رأيت أن تأذن لي أن أتكلم بشيء قد شغل قلبي قبل مناظرتي لبشر. فقال لي: تكلم بما شئت فقد أذنت لك".

فقلت: "أسألك بالله يا أمير المؤمنين من بلغك إنه كان أجمل ولد آدم صلى الله عليه وسلم. فأطرق مليا، ثم رفع رأسه" فقال: "يوسف عليه السلام". فقلت: "صدقت يا أمير المؤمنين- فوالله ما أعطي يوسف على حسن وجهه بعرتين، ولقد سجن وضيق عليه من أجل حسن وجهه بعد أن وقف على براءته بالشاهد الذي أنطقه الله عز وجل بتصديقه وبيان قوله وبعد إقرار امرأة العزيز إنها هي راودته عن نفسه فاستعصم فحبس بعد ذلك كله لحسن وجهه، قال الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ١ فدل بقوله عز وجل إنه سجن بغير ذنب لعلة حسن وجهه وليغيبوه عنها وعن غيرها، فطال في السجن حبسه حتى إذا عثر الرؤيا ووقف الملك على علمه ومعرفته اشتاق إليه، ورغب في صحبته فقال عز وجل: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} ٢ فكان هذا القول من الملك عندما وقف عليه من علم يوسف ومعرفته قبل أن يسمع كلامه، فلما دخل عليه وسمع كلامه وحسن عبارته صيره على خافي خزائن الأرض، وفوض إليه


١ سورة يوسف آية ٣٥.
٢ سورة يوسف آية ٥٤.

<<  <   >  >>