للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمور كلها وتبرأ منها وصار كأنه من تحت يده، فكان هذا الذي بلغه يوسف عليه السلام بكلامه وعلمه لا بجماله، قال عز وجل: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ١ ولم يقل إني حسن جميل، قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء} ٢ فوالله يا أمير المؤمنين ما أبالي إن وجهي أقبح مما هو، وإني أحسن من الفهم والعلم أكثر مما أحسن".

قال عبد العزيز: "فقال لي المأمون وأي شيء أردت بهذا القول، وما الذي دعاك إلى ذكر هذا؟ فقلت سمعت بعض من هاهنا يقول لأمير المؤمنين: يفيك من كلامه قبح وجهه، فما يضرني قبح وجهي مع ما رزقني الله عزوجل من فهم كتابه، والعلم بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فتبسم المأمون حتى وضع يده على فيه، ثم قلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك فقد رأيتك تنظر إلى هذا النقش وانتفاخ الجص وتذكره، وسمعت عمرا يعيب ذلك ويدعو على صانعه، ولا يعيب الجص، ولا يدعو عليه، فقال المأمون: العيب لا يقع على الشيء المصنوع، وإنما يقع العيب على الصانع. قال: قلت: صدقت يا أمير المؤمنين، ولكن هذا يعيب ربي لم خلقني قبيحا فازداد تبسما حتى ظهرت (ثناياه) ".

قال عبد العزيز: "فأقبل علي المأمون" وقال: يا عبد العزيز: "ناظر صاحبك فقد طال المجلس بغير مناظرة"، فقلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك، كل متناظرين على غير أصل يكون بينهما يرجعان إليه إذا اختلفا في شيء من الفروع، فهما كالسائر على غير الطريق، لا يعرف الحجة فيتبعها ويسلكها وهو لا يعرف الموضع الذي يريد فيقصده، ولا يدري من أين جاء فيرجع يطلب الطريق فهو على ضلال أبدا.

ولكننا نؤصل بيننا أصلا، فإذا اختلفنا في شيء من الفروع رددناه إلى الأصل، فإن وجدناه فيه وإلاّ رمينا به ولم نلتفت إليه".

قال عبد العزيز: فقال لي المأمون: "نعم ما قلت، فاذكر الأصل الذي تريد أن يكود بينكما، ويذكر أيضا هو مثله حتى تتفقا على الأصل فتؤصلاه بينكما".


١ سورة يوسف آية ٥٥.
٢ سورة يوسف آية ٥٦.

<<  <   >  >>