للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك: أو أصل بيني وبينه ما أمرنا الله به واختاره لنا وأدبنا به وعلمنا ودلنا عليه عند التنازع والاختلاف، ولم يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى اختيارنا".

فقال المأمون: "وذلك موجود عن الله عز وجل"؟ قلت: "نعم يا أمير المؤمنين قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ١

وهذا تعليم الله عز وجل وتأديبه واختياره لعباده المؤمنين وهو خير وأحسن ما أصله المتنازعون بينهم، وقد تنازعت أنا وبشر يا أمير المؤمنين فنحن نؤصل بيننا كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرنا فإن اختلفنا في شيء من الفروع رددناه إلى كتاب الله عز وجل، فإن وجدناه فيه وإلاّ رددناه إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن وجدناه فيها وإلاّ ضربنا به الحائط ولم نلتفت إليه".

فقال بشر: "وأين أمرنا الله أن نرد ما اختلفنا فيه إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم" قلت: "كأنك لم تسمع ما جرى وما ابتدأت به، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ٢. قال بشر: "فإنما أمر الله أن يرد إليه وإلى الرسول، ولم يأمرنا أن نرده إلى كتابه العزيز وإلى سنة نبيه عليه السلام".

قال عبد العزيز: "هذا مالا خلاف فيه بين المؤمنين وأهل العلم إن رددناه إلى الله فهو إلى كتاب الله، وإن رددناه إلى رسوله بعد وفاته رددناه إلى سنته، وإنما يشك في هذا الملحد لأن، وقد روى هذا بهذا اللفظ عن ابن عباس٣ وعن جماعة من الأئمة٤ الذين اخذ العلم عنهم رحمة الله عليهم".

قال عبد العزيز: "فقال لي المأمون: فافعلا وأصلا بينكما يا عبد العزيز أصلا واتفقا عليه وأنا الشاهد بينكما إن شاء الله تعالى".


١ سورة النساء آية ٥٩
٢ سورة النساء آية ٥٩
٣ ابن كثير التفسير ٣/ ٣٠٤.
٤ مصدر السابق.

<<  <   >  >>