للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال عبد العزيز. فقلت يا أمير المؤمنين: "إنه من الحد في كتاب الله عز وجل جاحدا أو زائدا لم يناظر بالتأويل، ولا بالتفسير، ولا بالحديث".

فقال المأمون: "وبأي شيء تناظره"، قلت: "بنص التنزيل كما قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ١ وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} ٢ وقال حين ادعت اليهود تحريم أشياء لم تحرم عليهم: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ٣ وقال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} ٤.

فإنما أمر الله نبيه بالتلاوة، ولم يأمره بالتأويل، وإنما يكون التأويل لمن أقر بالتنزيل، وأما من الحد في التنزيل فكيف يناظر بتأويله. فقال لي المأمون: ويخالفك في التنزيل؟ قلت: نعم ليخالفني، أو ليدع قوله ومذهبه ويوافقني".

قال عبد العزيز: "ثم أقبلت على بشر فقلت: يا بشر ما حجتك إن القرآن مخلوق، وانظر إلى أحذ سهم في كنانتك فارمني به، ولا تحتاج إلى معاودتي بغيره. فقال: تقول القرآن شيء أم غير شيء، فإن قلت إنه شيء أقررت إنه مخلوق إذ كانت الأشياء مخلوقة بنص التنزيل، وإن قلت إنه ليس بشيء فقد كفرت لأنك تزعم أنه حجة الله على خلقه وإن حجة الله ليس بشيء".

قال عبد العزيز: "فقلت لبشر ما رأيت أعجب من هذا تسألني وتجيب نفسك عني وتكفرني ولم تسمع كلامي ولا قولي فإن كنت سألت لأجيبنك، فاسمع مني فإني أحسسن أن أجيب عن نفسي وأحتج عن مقالتي ومذهبي، وإن كنت إنما تريد أن تخطئني وتتكلم لتدهشني وتنسيني حجتي فلن أزداد بتوفيق الله إياي إلا بصيرة وفهما، وما أحسبك إلا وقد تعلمت شيئا أو سمعت قائلا يقول هذه المقالة التي قلتها أو قرأتها في كتاب فأنت تكره أن تقطعها حتى تأتي على آخرها".


١ سورة الرعد آية ٣٠.
٢ سورة الأنعام آية ١٥١.
٣ سورة آل عمران آية ٩٣.
٤ سورة النمل آية ٩٢

<<  <   >  >>