للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ورفعت صوتي معاذ الله معاذ الله أن يكون كلام الله داخلا في الأشياء المخلوقة، كما إن نفسه ليست بداخلة في الأنفاس الميته، وكلامه خارج عن الأشياء المخلوقة كما إن نفسه خارجة عن الأنفس الميتة.

قال بشر: يا أمير المؤمنين قد سألني فليسمع كلامي وليدع الصياح والضجيج. فقلت له: تكلم بما شئت. فقال: إذا كانت نفس (الله) ضميرا أو توهما، فهي خارجة وليست بداخلة في هذه النفوس. فقلت له: كم ألقي عليك إني أقول بالخبر وأمسك عن علم ما ستر عني، وإنما قلت إن لله نفسا كما أخبرنا وقد أقررت بذلك فلتكن عندك على أي معنى شئت؟ وقل هي داخلة في هذه النفوس أو لا، ودع عنا كلام الخطرات والوساوس، فقال لي: أنت رجل متعنت تجاب عن مسألتك فتطلب غيرها، وليس عندي جواب غير هذا وانقطع.

قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين، قد كسرت قوله بقوله، ودحضت حجته بحجته وبطل ما كان يدعو إليه من بدعته، وبان لأمير المؤمنين قبح مذهبه وفحش قوله، فأقبل في المأمون فقال. يا عبد العزيز قد وضحت حجتك، وبان قولك، وانكسر قول بشر، وتحتاج أن تشرح هذه الأخبار التي في القرآن ومعانيها وما أراد الله عز وجل بها ليسمع من بحضرتنا، فقد جرت اليوم أشياء كثيرة يحتاج من سمعها إلى معرفتها وفهمها.

قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل شرف العرب وكرمهم بأن أنزل القرآن بلسانهم وجعله مكتتبا على تبيان فقال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ١ وقال عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. إلى قوله بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ٢ وقال عز وجل: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} ٣ فخص الله عز وجل العرب بفهمه ومعرفته وفضلهم على غيرهم بعلم أخباره ومعاني ألفاظه وخصوصه وعمومه ومحكمه ومبهمه، وخاطبهم بما عقلوه وعلموه، ولم يجهلوه وقبلوه ولم يدفعوه، وعرفوه فلم ينكروه، إذ كانوا قبل نزوله عليهم يتعاملون بمثل ذلك في خطابهم ولغاتهم وكلامهم، فأنزل الله جل ذكره القرآن على أربعة أخبار


١ سورة يوسف آية ٢.
٢ سورة الشعراء آية ١٩٢- ١٩٥.
٣ سورة مريم آية ٩٧.

<<  <   >  >>