للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأرجع أنا وبشر يا أمير المؤمنين لما اختلفنا فيه من قول الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ١ إلى سنة الله في كتابه في الجعلين جميعا، وإلى سنة العرب أيضا وما تتعارفه وتتعامل به، فإن كان من القول الموصل فهو كما قلت أنا إن الله جعله قرآنا عربيا، بأن صيره عربيا- أي- أنزله بلغة العرب ولسانها، ولم يصيره أعجميا فينزله بلغة العجم، وإن كان من القول المفصل فهو كما قال ولن يجد ذلك أبدا، وإنما دخل الجهل على بشر ومن قال بقوله يا أمير المؤمنين لأنهم ليسوا من العرب ولا علم لهم بلغة العرب ومعاني كلامها، فتناولوا القرآن على لغة العجم التي لا تفقه ما تقول، وإنما تتكلم بالشيء كما يجري على ألسنتها، فكل كلامهم ينقض بعضه بعضا لا ينتقدون ذلك من أنفسهم، ولا ينتقده عليهم غيرهم لكثرته".

قال عبد العزيز: "وسمعت الأصمعي عبد الملك بن قريب، وقد سأله رجل أتدغم الفاء في الياء؟ فتبسم الأصمعي وقبض على يدي وكان لي صديقا، فقال لي أما تسمع، ثم أقبل على السائل وهو يتعجب من مسألته وقوله فقال له: "تدغم الفاء يا الياء في لغة إخواننا بني الأنباء- بني ساسان- يقولون: كيصبحت، فيدغمون الفاء في الياء، أما العرب فلا تعرف هذا".

قال عبد العزيز: "فاشتد تبسم المأمون من قوله الأصمعي ووضع يده على فيه". قلت: "وهذا الذي يأتينا به بشر يا أمير المؤمنين من لغة أصحابنا بني الأنباء- بني ساسان".

فقال بشر: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك يذمنا ويكفرنا وبقول إنا نحرف القرآن عن مواضعه، وهو قد وضع قدر القرآن وشأنه وسماه بأنقص اسم ووصفه بأخس صفة وأقلها ولقد خالف بقوله كتاب الله عزوجل وحرفه عن مواضعه لأن الله عز وجل سماه كتابا عزيزا، وسماه كريما، وأخبر عنه إنه تام كامل بقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ٢. وسماه عبد العزيز موصلا ومفصلا، فخالف كتاب الله تعالى وصفته وذم ما مدح الله تعالى الموصل عند العرض والعجم وسائر


١ سورة الزخرف أية ٣.
٢ سورة الأنعام آية ٣٨.

<<  <   >  >>