للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخلق جميعا فلم يحاش نبيا مرسلا ولا صديقا ولا عبدا مؤمنا أن يقولوا مالا يعلمون، فقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ١ وقال عز وجل لنوح عليه السلام: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ٢ فقال نوح معتذرا إلى ربه معترفا بخطيئته مستغفرا منها: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٣ وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ} ٤ يذمهم الله بهذا الخبر وذم فعلهم وطريقهم التي سلكوا، فقال بشر: "اخطب حتى تشبع من الكلام ثم أخاطبك". قال عبد العزيز: "فقلت يا أمير المؤمنين إن بشرا قد تحير في ضلالته، وعمي عن رشده، وبانت فضيحة قوله ومذهبه، وانقطع فما يأتي بحجة". فقال بشر: "ما انقطعت ولا تحيرت ولا بانت فضيحة مذهبي، وأنا على بينة من أمري، وما دعوت الناس ولا أدعوهم إلا إلى سبيل الرشاد ولا أنا ولا هم الأعلى سداد وكل من خالفني فكافر حلال الدم".

قال عبد العزيز: "فقلت يا أمير المؤمنين ما كان بقي على بشر غير هذا" قد قال كما قال فرعون، ولجأ إلى سبيل فرعون فاتبعها وإلى سبيله فسلكها.

فتبسم المأمون حتى وضع يده على فيه ثم قال: "كيف قلت يا عبد العزيز"؟ فأعدت عليه القول فازداد تبسمه ثم قال: "كيف قال بشر ما قال فرعون ولجأ إلى سبيل فرعون"؟ فقلت له: "لما قرأت على بشر القرآن وأوضحت السبيل والبرهان ودللته على طريق النجاة، ونطقت بالحق الذي أنطقني الله به قال بشر إني لعلى بينة من ربي قال هو ما دعوت الناس إلا إلى سبيل الرشاد، وكذلك قال فرعون


١ سورة الإسراء آية ٣٦.
٢ سورة هود آية ٤٦.
٣ سورة هود آية ٤٧.
٤ سورة آل عمران آية ٧.

<<  <   >  >>