للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما قلت فدع عنك الهذيان وأقبل علي". قال عبد العزيز: فقلت له: "تكلم بما شئت حتى أجيبك". فقال بشر: "تعبد الله الخلق أن يعرفوا الموصل والمفصل وما يضر الخلق أن لا يعرفوا ذلك ولا يتعلمونه".

فقال له المأمون: "قد رجعنا إلى الكلام الأول".

فقال بشر: "أدهشني بكلامه وخطبه عن تمام الكلام في هذا وهو يتوهم أنه كسر قولي بهذا المفصل والموصل الذي لا يحتاج إلى معرفته (أ/٣٢) ولا يطالب أحد به". قال عبد العزيز: "فقلت لبشر بل قد تعبد الله الخلق أن يعرفوا ذلك ويتعلمونه لئلا يصلوا ما فصل الله ويفصلوا ما وصل الله عزوجل".

قال: "ما الحجة في ذلك والدليل على صدق قولك".

قال عبد العزيز: "فقلت له أما سمعت ما قرأت عليك من كتاب الله وما تلوت عليك من الآيات المحكمات فيمن وصل ما أمر الله به أن يوصل ومن قطع ما أمر الله به أن يوصل وما وعد الله هؤلاء من حسنى وعقبى الدار، وما توعد الله به هؤلاء من اللعنة والعذاب وسؤ الدار".

فقال بشر: "دع ذكر ما مضى فمالك فيه حجة واحتج الساعة بشيء أفهمه".

قال عبد العزيز: "فقلت له صدقت أنك ما فهمت ما مضى ولو فهمت ما قلت ما قلت، وأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين إن في بعض ما مضى لكفاية وبلاغ ولكن بشر يزعم أنه لم يفهم شيئا مما مضى وأنا أتكلم في ذكر المفصل والموصل من القرآن وأحتج للعرب في صحة لغاتها ومذاهبها في كلامها وخطابها". قال عبد العزيز فقال المأمون: "إن كان بشر لم يفهم ما مضى فكذلك لا يفهم إعادة ما يأتي فدع إعادة شيء قد مضى وظهرت لك الحجة فيه فإن هذا وقت الصلاة".

فقلت: "يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأذن لي أن أتكلم بشيء لم أتكلم به في هذا المعنى أقيم به الحجة على بشر وأرجو أن يستحسنه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من غزير إطالة الكلام". فقال: "تكلم وأوجز".

قال عبد العزيز: "فأقبلت على بشر فقلت: زعمت يا بشر إن الله لم يتعبد

<<  <   >  >>