للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليستفتوها عند قبره صلى الله عليه وسلم وهو مع ذلك يسمعهم يُجيبهم لو سألوه على مقتضى زعم الغلاة، وهذا من المحال. بل نهوا عن تحري دعاء الله عند قبره صلى الله عليه وسلم، ولما رأى علي بن الحسين رحمه الله رجلاً كان يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: "ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم" فرأى على بن الحسين- رحمه الله- أن ذلك من اتخاذه عيداً، روى سهيل بن أبي سهيل قال: "رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني، وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء فقلت: لا أريده، فقال: دخلت المسجد فسلم، ثم قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليَّ حيثما كنتم". ما أنتم ومن الأندلس إلا سواء" ١


"١" حسن لغيره: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "٣/ ٥٧٧"، عن الثوري عن ابن عجلان عن رجا يقالله: سهيل عن الحسن بن الحسن بن علي قال: رأى قوماً عند القبر فنهاهم وقال:. . . وذكره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "٢/ ١٥٠" قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان به. وأخرجه أيضاً في "٣/ ٣٠" لكن بزيادة "عن أبيه" بعد الحسن، فلا أدري هل هذا خطأ من أحد النساخ أم هو من اضطراب ابن عجلان. وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد في مسنده "٢/ ٣٦٧"، وأبو داود في سننه "٢٠٤٢"، وفي إسناده: عبد الله بن نافع، ضعفه أحمد، ولينه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال البخاري: في حفظه شيء. فهذا إسناد جيد في الشواهد. وله شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه، أخرجه أبو يعلى في مسنده "٤٦٩"، والبخاري في التاريخ الكبير "٢/ ١٨٦"، من طريق جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحَيْن قال: ثنى علي بن عمر عن أبيه عن علي بن حسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة وكانت في قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألاَّ أحدثك بحديث سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . وذكره نحوه.
قلت: جعفر قال عنه ابن حبان: يعتبر بحديثه من روايته عن أبيه كما في اللسان للحافظ "٤٣٢"، وهو من ولد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأما علي بن عمر هو ابن الحسين بن علي، قال عنه ابن حبان في الثقات: يعتبر حديثه من غير رواية أولاده عنه- وهذه منها- وأما عمر بن الحسين فقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ.
وهذا شاهد قوي يعضد ثبوت الحديث، ويُبين ما كان عليه أهل بيت رسول الله من الالتزام بأمره صلى الله عليه وآله وسلم بعدم الغلو فيه باتخاذ قبره مكاناً للدعاء والسجود، وزجر أي جاهل يفعل ذلك، فهلاَّ تأسى مُحبي آل بيت النبوة بهم في التوحيد الخالص والاتباع الصادق لهدي النبوة.

<<  <   >  >>