للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبو حنيفة: يستقبل القبلة عند السلام أيضا ولا يستقبل القبر. وقال غيره: لا يستقبل القبر عند الدعاء، بل قالوا إنه يستقبل القبلة وقت الدعاء ولا يستقبل القبر، حتى لا يكون الدعاء عند القبر، فإن الدعاء عبادة كما ثبت بالحديث المرفوع: "إن الدعاء هو العبادة".

والسلف الصالح من الصحابة والتابعين جعلوا العبادة خالصة لله تعالى، ولم يفعلوا عند القبور شيئا منها، إلا ما أذن فيه النبي عليه الصلاة والسلام من السلام على أصحابها، وسؤال الرحمة والمغفرة والعافية من الله لهم.

وسبب ذلك أن الميت قد انقطع عمله، وهو يحتاج إلى من يدعو له، ويشفع لأجله١، ولهذا شرع في الصلاة عليه وجوبا أو ندبا ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي، فإنا لما كنا إذا قمنا إلى جنازته ندعو له، ونشفع لأجله، فبعد الدفن أولى أن ندعو له ونشفع، لأنه في قبره بعد الدفن أشد احتياجا إلى الدعاء منه على نعشه، لأنه حينئذ معرض للسؤال وغيره، على ما روي عن عثمان بن عفان أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" ٢.وروي عن سفيان الثوري أنه قال: "إذا سئل الميت من ربك يتراءى


١ في طبعة نصيف: "له".
٢ أخرجه أبو داود – كتاب الجنائز – من سننه ٣/٥٥٠، وصححه الحاكم في المستدرك وأقره الذهبي ١/٣٧٠. وجود إسناده النووي في المجموع.

<<  <   >  >>