وكذلك لفظ "السؤال بالشيء" قد يراد به المعنى الأول، وهو التسبب به لكونه سببا في حصول المطلوب. وقد يراد به الإقسام، ومن الأول حديث الثلاثة الذين آووا إلى غار، وهو حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما، فإن الصخرة انطبقت عليهم فقالوا: ليدع كل رجل منكم بأفضل عمله، فدعوا الله بصالح أعمالهم، لأن الأعمال الصالحة التي هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله ويتوجه به إليه ويسأله به، وهؤلاء دعوه بعبادته، وفعل ما أمر به من العمل الصالح والتضرع، وكذلك دعاء المرأة المهاجرة التي أحيا الله ابنها لما قالت:"اللهم إني آمنت بك وبرسولك وهاجرت في سبيلك" وسألت الله أن يحيي ولدها، وأمثال ذلك. وهذا كما قال المؤمنون:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}[آل عمران-١٩٣] الآيات، فسؤال الله والتوسل إليه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وأما قوله في حديث أبي سعيد:"أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا" فهذا الحديث رواه عطية العوفي وفيه ضعف، لكن بتقدير ثبوته هو من هذا الباب، فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق المطيعين له أن يثيبهم، فالسؤال له والطاعة سبب لحصول إجابته وإثابته، فهو من التوسل به، والتوجه به، والتسبب به. ولو قدر أنه قسم لكان قسما بما هو من صفاته، فإن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله، فصار هذا كقوله في الحديث الصحيح: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك،