قياسهم الشمولى وربما كان أيسر فان العلم بالمعينات قد يكون أبين من العلم بالكليات وهذا مبسوط في موضعه.
ليس في قياسهم إلا صورة الدليل من غير بيان صحته أو فساده:
والمقصود هنا أن المطلوب هو العلم والطريق إليه هو الدليل فمن عرف دليل مطلوبه عرف مطلوبه سواء نظمه بقياسهم أم لا ومن لم يعرف دليله لم ينفعه قياسهم ولا يقال أن قياسهم يعرف صحيح الأدلة من فاسدها فان هذا إنما يقوله جاهل لا يعرف حقيقة قياسهم فان قياسهم ليس فيه إلا شكل الدليل وصورته وأما كون الدليل المعين مستلزما لمدلوله فهذا ليس في قياسهم ما يتعرض له بنفي ولا إثبات وإنما هذا بحسب علمه بالمقدمات التي اشتمل عليها الدليل وليس في قياسهم بيان صحة شيء من المقدمات ولا فسادها وإنما يتكلمون في هذا إذا تكلموا في مواد القياس وهو الكلام في المقدمات من جهة ما يصدق بها وكلامهم في هذا فيه خطأ كثير كما نبه عليه في موضع آخر.
الحقيقة المعتبرة في كل دليل هو اللزوم:
والمقصود هنا أن الحقيقة المعتبرة في كل برهان ودليل في العالم هو اللزوم فمن عرف أن هذا لازم لهذا استدل بالملزوم على اللازم وإن لم يذكر لفظ اللزوم ولا تصور معنى هذا اللفظ بل من عرف أن كذا لا بد له من كذا أو أنه إذا كان كذا كان كذا وأمثال هذا فقد علم اللزوم كما يعرف أن كل ما في الوجود فهو أية لله فانه مفتقر إليه محتاج إليه لا بد له منه فيلزم من وجوده وجود الصانع.
وكما يعلم أن المحدث لا بد له من محدث كما قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم أنه لما قدم في فداء الأسرى عام بدر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور قال: فلما سمعت قوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}