الثاني: أن يقال الحد يراد به نفس المحدود وليس هذا مرادهم ههنا ويريدون به القول الدال على ما هيه المحدود وهو مرادهم هنا وهو تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال.
فيقال: إذا كان الحد قول الحاد فالحاد أما أن يكون قد عرف المحدود بحد وأما أن يكون عرفه بغير حد فان كان الأول فالكلام في الحد الثاني كالكلام في الأول وهو مستلزم للدور القبلى أو التسلسل في الأسباب والعلل وهما ممتنعان باتفاق العقلاء وإن كان عرفه بغير حد بطل سلبهم وهو قولهم أنه لا يعرف إلا بالحد.
الثالث: أن الأمم جميعهم من أهل العلم والمقالات وأهل العمل والصناعات يعرفون الأمور التي يحتاجون إلى معرفتها ويحققون ما يعانونه من العلوم والأعمال من غير تكلم بحد منطقي ولا نجد أحدا من أئمة العلوم يتكلم بهذه الحدود لا أئمة الفقه ولا النحو ولا الطب ولا الحساب ولا أهل الصناعات مع أنهم يتصورون مفردات علمهم فعلم استغناء التصور عن هذه الحدود.
الرابع: أنه إلى الساعة لا يعلم للناس حد مستقيم على أصلهم بل أظهر الأشياء الإنسان وحده ب الحيوان الناطق عليه الاعتراضات المشهورة وكذلك حد الشمس وأمثال ذلك حتى أن النحاة لما دخل متأخروهم في الحدود ذكروا ل الاسم بضعة وعشرين حدا وكلها معترض عليها على أصلهم بل أنهم ذكروا ل الاسم سبعين حدا لم يصح منها شيء كما ذكر ذلك ابن الأنباري المتأخر والأصوليون ذكروا ل القياس بضعة وعشرين حدا وكلها معترض على أصلهم وعامة الحدود المذكورة في كتب الفلاسفة والأطباء والنحاة والاصوليين والمتكلمة معترضة على أصلهم وإن قيل بسلامة بعضها كان قليلا بل منتفيا فلو كان تصور الأشياء موقوفا على الحدود لم يكن إلى الساعة قد تصور الناس شيئا من هذه الأمور والتصديق موقوف على التصور فإذا لم يحصل تصور لم يحصل تصديق فلا يكون عند بني آدم علم في عامة علومهم وهذا من أعظم السفسطة