للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفسيره لكثير من وقائع السيرة، ويعزو له النجاح الباهر الذي حققته الرسالة المحمدية.

ولاشك في أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكمل الناس في كل شيء، ومن بين ذلك توقد الذهن وسداد الرأي، ولكن من المبالغة بمكان أن نعزو نجاح الرسالة المحمدية الباهر إلى شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ونغفل التأييد والإلهام الإلهي، ومن جموح الفكر أن نسرح به بعيداً ونضفي بعداً مادياً صرفاً على وقائع السيرة ومن ثم نعود عليها ونقرؤها من وجهة نظر أحادية، كل هذا من أجل أن نرد الأمور كلها إلى منطلق زائف وهو أن هذا الدين هو من عند محمد وليس من عند الله.

فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم مجرد رجل سياسة نابغ طموح لماذا لم يظهر كل هذا الطموح إلا بعد انقضاء أربعين عاماً من عمره، أوليس الطموح والنزوع إلى السلطة تظهران في ريعان الشباب؟ وهو الذي لم يذكر لنا أحد أنه تبوأ منصباً قيادياً في قريش قط. بل إنه لحكمة أرادها علام الغيوب سبحانه وتعالى انتهج خطا هادئاً بين رعي الأغنام والتجارة والتحنث، يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً حال نبيه الكريم في بداية دعوته {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} [الفرقان: ٤١] ، ترى هل كانت قريش لتسخر منه صلى الله عليه وسلم لو علمت أنه كان فيه نزوع للسلطة ورغبة في قيادتها وخبروا ذلك فيه وعاصروه، نعم كان في محمد صلى الله عليه وسلم طاقات كامنة ما كانت لتتفجر إلا بعد أن اصطفاه رب العالمين سبحانه وتعالى بالرسالة وآزره بتأييده مما أدى إلى ظهورها على أكثر من صعيد وموقف، يقول تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: ٨٦] .

<<  <   >  >>