هذا وبعد ذكر هذه الجملة من صفات الله الثبوتية الذاتية منها والفعلية، يجد القارئ أن ابن سعدي رحمه الله قد سار في إثبات الصفات في جميع مؤلفاته ومن أهمها التفسير على منهج السلف الصالح، وذلك بإثبات جميع ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله من صفات الكمال من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل وهذا هو المنهج الحق بخلاف غيره من المناهج الباطلة كمذهب الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم.
وكما أنه رحمه الله سار على هذا المنهج في التأصيل والتقدير، فإنه كذلك سار عليه في الرفض والرد، وأعني بذلك أنه رحمه الله دافع عن هذا المنهج على طريقة السلف من رفض كل ما يخالف هذه العقيدة في الأسماء والصفات.
فتناول بالرد من ينكر الصفات أو ينكر بعضها أو يتأولها، أو يشبهها بصفات المخلوقين أو غير ذلك من أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته وقد تقدم معنا في القواعد التي قررها رحمه الله قاعدة:"القول في الصفات كالقول في الذات"، وقاعدة "القول في بعض الصفات كالقول في بعض"، وقاعدة "الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب"، وتقدم معنا شرحه لها وكيف يرد بها على المعطلة والمؤولة وغيرهم، وهي قواعد هامة تبين تهافت أقوالهم وتناقض آرائهم التي ليس عليها برهان من كتاب ولا سنة ولا عقل بل هي مخالفة لما تقرر في الكتاب والسنة من إثبات الصفات ومخالفة للعقل السليم الذي لم ينحرف.
وكما قرر ـ رحمه الله ـ هذه القواعد العامة التي يرد بها على هؤلاء المؤولة فقد ناقشهم في ما ينكرونه من الصفات، وبين أنه ليس معهم حجة ولا برهان. وذكر الأدلة الدالة على بطلان مذاهبهم.
فناقشهم في صفة الاستواء والكلام والعلو، والنزول والإثبات وغيرها من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة.
ولكي نتعرف على منهجه في الرد على هؤلاء أرى من المناسب أن أذكر مناقشاته معهم في بعض الصفات وأكتفي بذكر صفتين فقط وهما:
صفة الكلام، وصفة الاستواء؛ ليكونا كنموذج لمناقشاته معهم في بقية الصفات.
أولا: صفة الكلام أدلتها، وردود ابن سعدي على من أنكرها:
إن هذه المسألة قد طال الكلام فيها وتنازع الناس فيها نزاعاً كبيراً، وكثرت أقوال المتكلمين فيها، حتى إنه يقال إنما سمي علم الكلام لكثرة التكلم في هذه الصفة وسيرتكز حديثنا في هذه المسألة في ثلاث نقاط: