يقال لهم بأن تفريقكم بين الأمرين تفريق بين متماثلين، إذ أنكم إذا تأولتم صفة وقعتم في مثل ما فررتم منه، فأثبتوا جميع الصفات فالباب واحد، وإلا فبينوا فرقاً بين ما نفيتم وبين ما أثبتم، ومن المعلوم أنهم لا يهتدون إلى فرق بين الصفات بإثبات بعضها ونفي بعضها فالواجب إذا هو اتباع السلف الصالح وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله من صفات الكمال"١.
الشبهة الثالثة: "قولهم استوى بمعنى استولى"
وهذا قول الجهمية وغيرهم فهم يقولون إن المراد بقوله تعالى {ثم استوى على العرش} أي استولى على العرش.
واستدلوا على ذلك بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف أو دم مهراق,
وأجاب ابن سعدي عن هذه الشبهة بأن الله أخبر أنه مستو على العرش في سبعة مواضع من القرآن وكلها جاءت بلفظ "على العرش" وعلى تدل على العلو والارتفاع وهذا نص لا يقبل الاحتمال ولا الاشتباه في معناه. ولو كان استوى بمعنى استولى كما يقول الجهمية وأتباعهم لأتت اللام في موضع واحد أو أكثر لأجل أن يحمل الباقي عليها فلما لم ترد في موضع واحد بذلك كانت نصا صريحا في العلو والفوقية؛ لأن العرب جرت عادتهم في كلامهم الفصيح أن يضمروا بعض القيود في بعض كلامهم ويذكروه في كلام لفظ آخر فيحمل مطلق الكلام على مقيده، وأما هذا الموضع فالحمل متعذر.
وهم بعملهم هذا مشابهين لليهود، لأن اليهود لما قيل لهم {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} .
دخلوا على آساتهم وقالوا حبة في حنطة تهكماً وجرأة على الله فاليهود زادوا النون في